الحياة الزوجية وتحديات الإعاقة ----- الإعاقة إما أن تكون في أحد الزوجين أو أن تكون في أحد أولادهما (صبياً كان أو بنتاً) والإعاقة في الزوجين إما أن تكون موجودة قبل الزواج وإما أن تحدث بعده .. وفي كل الأحوال فإن لإعاقة أحد الزوجين أو أحد أولادهما آثاراً هامة في نفسية الزوجين تنعكس علي حياتهما الزوجية وتشكل تحديا ً لها إما أن نغلبه وتنتصر عليه وإما أن يغلبها فيجعلها تعيسة أو قد يقضي عليها ويعجل بنهايتها. قبل الزواج: الإعاقة قبل الزواج تقلل من فرصة بالنسبة للرجل والمرأة عي السواء ذلك أن الإعاقة إما أن تكون ناتجة عن نقص في الجسم يؤدي إلي فقدانه لإحدى قدراته ووظائفه كالشلل أو العمى أو طرف مبتور أو أن تسيء إلي شكل الجسم كما تفعل ندبة كبيرة بعد حريق أو جرح عميق وقد تجمع الإعاقة ما بين الخلل الوظيفي والخلل الجمالي في آن واحد. هذا عن الإعاقة الجسدية, أما الإعاقة العقلية كالتخلف العقلي والمرض العقلي الشديد المزمن فلا علاقة لها بالشكل عادة. ومع ذلك يبقى الكثير من المعاقين صالحين للزواج وراغبين فيه. الزواج والإعاقة: وقد يتزوج معاق في ناحية بمعاقة في ناحية مختلفة ولا يرى أحد منهما أنه قدم لهذه الحياة الزوجية أكثر من الأخر لكن هذا النوع من الزيجات ما زال هو الاستثناء. أما أن يرتبط السليم المعافى تام الخلقة بمعاق أو معاقة فإن ذلك يعتمد عادة علي شدة الإعاقة وعلي وجود جوانب في الزوج المعاق تعوض عن إعاقته وتجذب الطرف الآخر إليه كما يعتمد علي مدى قوة الشخصية لدى الطرف السليم أو ضعفها وعلي تقديره لذاته أو شعوره بالنقص والدونية, فصاحب التقدير العالي لذاته والشخصية القوية قد يتزوج من معاق أو معاقة لأنه يتصرف بحسب قناعته هو ولا يرى في زواجه هذا ما يخجل منه وفي المقابل قد يتزوج السليم المعافى من معاق أو معاقة لأن نظرته إلي ذاته متدنية ولا يرى نفسه جديرا ً بأكثر مما أتيح له وتبقى الإعاقة عقبة في طريق زواج المعاق لا يكفي في تذليلها الوعظ والإرشاد, إذ تتحكم عوامل لا شعورية قوية في اختبار الإنسان لشريك حياته والوعظ لا يتغلب علي اللاشعور وقد لا يصل إليه أحياناً. تغيرات نفسية: لكن قد يتزوج اثنان منهما سليم معافى تام الخلقة وذات يوم يتحول أحدهما إلي معاق بفعل مرض شديد أو حادث مؤسف .. المرأة الشابة الجميلة شوهت وجهها وهي تعد وجبة الغداء للعائلة والرجل الوسيم القوي فقد ساقه في حادث سير أو عمل أو إصابة الشلل نتيجة ذلك وصار أسير الكرسي المتحرك. الإعاقة بعد الزواج ونتائجها النفسية والاجتماعية الإعاقة بعد الزواج تحدث تغييراً في نظرة الزوج الذي أعيق إلي نفسه وفي نظرة الزوج الآخر إليه وفي العلاقة بينهما. مرحلة الافتجاع: والزوج الذي أعيق (رجلاً كان أم امرأة ) لابد له من أن يمر بمراحل الحزن والأسى التي يمر بها من فقد عزيزاً, والتي تسمى في الطب النفسي ( الافتجاع ) Grief حيث يمر الإنسان بمرحلة من الإنكار النفسي للمصيبة فيتصرف ويشعر وكأنه لم يفقد شيئاً ثم يأخذ بالتدريج وعلي مدى الأيام والأسابيع أو الشهور يأخذ في الإذعان للحقيقة ويشعر بألم الفاجعة وجديتها وأثرها علي حياته وعندها قد يجتاحه القلق علي المستقبل والغيظ والانزعاج فيصبح نكد المزاج عصبياً يغضب لأتفه الأسباب وقد يتوجه غضبه إلي الأطباء والمعالجين وقد يتوجه إلي الزوج السليم الذي يلح عليه بوجوب القبول بالإعاقة وهو ما يزال بعيداً عن طور القبول هذا. ثم تكون مرحلة الاكتئاب والحزن والاستسلام : التي قد تزيد من شدة الإعاقة لأن إحساسه بالعجز يجعله لا يستخدم ما تبقى لديه من قدرات استخداماً حسناً.. كل هذه المشاعر مع ما يرافقها أحيانا ًمن مشاعر الحسد للسليمين بمن فيهم الزوج الآخر, كلها تجعل الزوج الذي أصيب صعب المعشر وعسراً وعدائياً وقليل الشكر للطرف الآخر الذي يعاني معه بصمت وحزن وهذا مما يزيد من معاناة الزوج السليم فهو أيضاً يمر بآلام التفجع والحزن علي ما أصاب زوجه فالخسارة هي للاثنين معاً وإن كانت بدرجات متفاوتة.. استمرار الزواج: والإعاقة بعد الزواج تثير مسألة الاستمرار مع الزوج المعاق بعدما أصابه أو أصابها من تشوه أو عجز عن أداء بعض الوظائف الجسدية. وهذا يعتمد علي عدة عوامل أهمها شخصية كل من الزوجين والقيم التي يؤمن بها, ومدى قوة العلاقة الزوجية قبل الإصابة. وإذا كانت الزوجة هي المصابة والزوج قادر علي الزواج بثانية. فإن هذا قد ينقذ الحياة الزوجية إن كان الزوج لن يصبر علي الحياة مع زوجة معاقة في جمالها أو قدراتها, أما إن كان الزوج هو المصاب والزوجة لا تريد الصبر علي الحياة مع زوج معاق فالحل الوحيد سيكون في طلاقها وزواجها من آخر وإن كان الواقع يقول إن الزوجات أكثر صبراً وتضحية وبخاصة إن كان الزوج قد أكرمها وأحسن معاشرتها قبل إصابته أو لديهما أولاد سيتضررون من الطلاق. لكن الذي يتوجب علي المجتمع فعله هو مؤازرة المرأة إذا أرادت استخدام حقها في إنهاء العلاقة الزوجية بعد إصابة الزوج وهذه المؤازرة والموافقة من المحيطين بالمرأة ستساعدها علي ممارسة حقها والحفاظ علي نفسها من الفتنة, هذا إن صممت علي قرارها وبخاصة أن هذا التصميم قد يكون في الغالب نتيجة ضعف العلاقة الزوجية منذ البداية أما إن قررت الصبر فإن شعورها أن حقها محفوظ في أن تختار لنفسها إما الاستمرار مع زوج معاق أو تركه دون تعرضها للوم والضغط من الآخرين, إن شعورها هذا بحريتها في ممارسة حقها المشروع يجعلها تستمر وهي ترى نفسها زوجة صابرة مضحية بعكس الزوجة التي تحس بأنها ضحية لأنها مضطرة إلي الاستمرار بسبب استكثار الآخرين إن هي أرادت الفراق, وفرق ما بين أن يكون المرء مضحياً بإرادته واختياره أو أن يكون مكرهاً مرغماً يشعر دوماً بالحرمان والغبن والغيظ والسخط. إنكار المشاعر: ثم إن مفهوم الابتلاء والصبر عليه يجعل كلاً من الزوج المصاب والزوج السليم أكثر تقبلاً للمصيبة وأقل معاناة بسببها ويؤثر في القرار المتخذ بخصوص الزواج من جديد أو عدمه. ومن الناحية النفسية من المفيد جداً أن لا ينكر الإنسان مشاعره التي أثارتها المصيبة بل يفضي بها إلي شخص متفهم متعاطف لا يطلب منه إلا حسن الاستماع والإقرار لصاحب المشاعر بحقه في إختيار الخيار الذي يريد للمستقبل فإن لم يجد هذا الشخص المتفهم فإن المعالج النفسي المتخصص هو خير من يلجأ إليه الزوجان أو أحدهما للحصول علي مؤازرته النفسية في أزمة شديدة مثل أزمة الإصابة بإعاقة قد تعصف بالحياة الزوجية وتقضي عليها إن لم تتوفر المؤازرة المطلوبة في وقتها المناسب. سلطات الإعاقة: والإعاقة تؤثر علي توازن القوى في الحياة الزوجية فالإعاقة ضعف قد يؤدي إلي استهانة الزوج السليم بالزوج المعاق أو عدم طاعته له لكن الإعاقة إن لم تؤثر علي ملكات الزوج التي تؤهله للقوامة فإن الإيمان والتقوى يكفلان لهذا الزوج الاستمرار في التمتع بسلطة محترمة في الأسرة كما يكفلان تمتع الزوجة التي أعيقت بالاحترام والتقدير اللذين كانت تتمتع بهما قبل الإصابة إذ لا يستغل الضعف الناجم عن الإصابة إلا لئيم. إعاقة الابن: وقد تقع الإعاقة في أحد الأولاد في الأسرة سواء كانت إعاقة خلقية يولد بها الطفل أو كانت طارئة وناتجة عن مرض أو حادث وفي الحالات كلها يكون لها أثر شديد علي الزوجين وعلاقتهما إذ تثير إعاقة أحد الأطفال مشاعر الذنب ولوم النفس والإحساس بالخزي والخجل وقد يلوم كل من الزوجين الآخر ويحمله المسؤولية عن إعاقة الطفل رغم أنه في الغالب لا ذنب له في ذلك ويضاف إلي هذه المشاعر مرور الوالدين بآلام التفجيع والحزن فالإعاقة فقد وخسارة أصابتهما كما أصابت الطفل وفيها علي الأقل فقد وخسارة للحلم الجميل بذرية معافاة تحقق الآمال.. وهذا كله يحدث سواء أكانت إعاقة الطفل ولادية أم حدثت في الطفولة بسبب إصابة أو مرض. ومن المشكلات التي تنتج أحياناً عن الضغط النفسي الذي تمارسه إعاقة أحد الأطفال علي الوالدين أنها قد تؤدي إلي العجز الجنسي عند الزوج أو البرود الجنسي عند الزوجة وقد لا يدركان العلاقة بين المشكلة الجنسية وبين إعاقة طفلهما والمشاعر الناتجة عنها. المشكلة والعلاج: ومن الأخطاء: التظاهر بعدم وجود مشكلة وعدم الكلام عن الإعاقة وما يتعلق بها من مشاعر تعتمل في نفس الزوجين وأفضل علاج للآثار النفسية للمصائب هو الحديث عنها وعن مشاعرنا الناتجة عنها وتكرار هذا الحديث مرات عديدة كي ترتاح النفوس مع ضغط المصيبة عليها وكي تحس إن الآخرين الذين يستمعون بتفهم وتعاطف قد شاركوا صاحب المصيبة في مصيبته فيخف الحمل وتهدأ النفس وبالتدريج تصل إلي مرحلة التقبل والرضى والتكيف مع الوضع الجديد الذي أوجدته إعاقة أحد الأطفال. كما إن من المشكلات التي تنتج عن إعاقة أحد الأطفال في الأسرة يشعرون بالإهمال وشعور الزوج بالإهمال يشكل مشكلة في الحياة الزوجية حتى وإن كان الأطفال الذين يأخذون اهتمام الزوجة طبيعيين وأكثر ما تحدث الخيانة الزوجية من قبل الرجال في فترات انشغال الزوجة بالأطفال وإهمال الزوج ومتطلباته العاطفية والجنسية وهذه مشكلة كبيرة في بعض الأسر التي فيها طفل معاق وأم كرست نفسها له من دون الآخرين إذ قد يصبر الزوج وقد لا يصبر فيبحث عن القرب العاطفي الدافئ وعن الإشباع الجنسي لدى أخرى تكون زوجة ثانية في أحسن الأحوال. ~~~~~~~